نصار ابراهيم/"الحياديون"... مكانهم الجحيم... لماذا!؟
مقالات
2018-11-30

(بمناسبة 29 تشرين ثاني اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني)
بقلم الكاتب الفلسطيني :نصار إبراهيم
دونالد ترامب يخلع قفازاته ويلوح بقبضته العارية على طريقة "عصابات نيويورك -New York Gangs" تهديدا ووعيدا وعقوبات..
أنظمة الخليج المتهافتة والمذعورة أمام فشلها وانكشافها وخضوعها وهشاشتها لا تجد ما تفعله سوى أن تفرغ خزائنها وتشرع ضروعها لعملية حلب شاملة... فقط أن تحافظ على سلطتها البائسة التي داعبها دونالد ترامب قائلا " لولانا لما بقي عرش الملك سلمان أكثر من أسبوعين..."
إسرائيل تنحدر هبوطا من إخفاق إلى إخفاق وآخرها في غزة... ولهذا يذكرها دونالد ترامب قائلا: "لولا السعودية لكانت إسرائيل في وضع صعب".
في محاولة للتوازن والتماسك.. يتكاتف حلف ترامب – نتنياهو – آل سعود... لفرض أمريكا على العالم عبر "ديكتاتورية الدولار" والقوة والوقاحة، وفرض التطبيع على أبقار الخليج المذعورة... وترسيخ مشاريع إسرائيل في السيطرة على القدس وتصفية حق العودة وفكرة المقاومة... والترويج على طريقة السماسرة لمشاريع اقتصادية خيالية مثلا "مدينة نيوم" فيما شروط وإملاءات البنك الدولي تلتف "كأنكوندا" على لقمة عيش معظم الشعوب العربية..
لكن.. ورغم كل ما تقدم... إلا أن هذا الثلاثي المأزوم.. يتلقى الضربات من قوى اتخذت قراراها بالصمود والمقاومة في سورية العروبة، في لبنان المقاوم، في العراق الباسل في اليمن العزيز... و.. وطبعا في درة العرب فلسطين... وفي أكثر من ساحة وميدان عربي.. وعلى ذات الجبهة يقف أصدقاء شجعان إيران وروسيا والصين والكثير من شعوب العالم وقواه المناضلة.
الهدف من هذا التقديم .. هو التذكير بمواقف وخطابات وشعارات النأي بالنفس التي تبناها البعض وخطابات النفاق عن "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والربيع العربي والأمن القومي العربي والمصلحة العربية وهكذا..."، يقولون كل هذا فيما جميع السفلة منخرطون في تدمير سورية واليمن والعراق وتصفية قضية فلسطين... ويبددون ثروات الأمة والشعوب.
الحياد... النأي بالنفس.. تلك هي كلمة السر لتبرير الصمت (وفي الحقيقة المشاركة) على عملية التدمير والتصفية وأخضاع المنطقة للحلف الأستعماري - الصهيوني - الرجعي العربي...
"النأي بالنفس" هو الاكتشاف "العبقري" الذي بات معادلا للجبن والخيانة في موسم شركة مقاولات الربيع العربي - الأمريكي – الإسرائيلي.
هؤلاء "الحياديون" هم الأسوأ...
ف"أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة" هذا ما قاله الثائر الأمريكي مارتن لوثر كينغ.
أما نزار قباني شاعر الحب الكبير فقد عبر عن ذات الفكرة حين قال"اختاري الحب أو اللاّحبَّ فجبن أن لا تختاري..... لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار".
"النأي بالنفس" أو "الحياد" بات وصفة رائجة لمواقف سياسية مقرفة... وهو مفهوم أقرب للسخافة حين يستوطن ويهيمن على الخطاب السياسي لبعض القوى وعندما يردده أشباه المثقفين وأشباه القوادين السياسيين!
فماذا يعني مفهوم "النأي بالنفس" هذا عندما تكون المواجهة بين أنظمة الخضوع والذل من جانب وقوى المقاومة من أجل الكرامة الوطنية والقومية من جانب آخر!؟
كيف يكون "النأي بالنفس" عندما تكون المواجهة بين فلسطين ونقيضها، بين الوحدة الفلسطينية الوطنية والتمزيق والتقسيم، بين حرية وكرامة الإنسان الفلسطيني ونقيضها!؟.
وما معنى "النأي بالنفس" عندما تكون المواجهة بين الأمة من جانب ومن يستهدف وحدتها وروحها وعنفوانها وحضارتها وهويتها وثقافتها من جانب آخر!؟
وما هذا "النأي بالنفس" عندما تكون المواجهة بي إسرائيل والقوى الاستعمارية الغربية وقوى الرجعية في جانب ... والأمة وشعوبها في جانب آخر!؟
كيف يكون "النأي بالنفس" عندما تكون المواجهة بين القتلة وقاطعي الرؤوس وآكلي القلوب ومغتصبي الأطفال والنساء والأوطان والذاكرة من جانب، ومن يرفع راية الحرية والمقاومة والدفاع عن الوطن بماضيه وحاضره ومستقبله في الجهة المقابلة!؟
ما هذا "النأي بالنفس" عندما تكون المواجهة بين سماسرة وقوى تريد تحويل الأوطان إلى مزارع للنهب وكازينوهات للدعارة وبين من يقاوم ليبقى الوطن حرا كريما وعزيزا!؟
ذات الفكرة يلح عليها الكاتب اللبناني الياس عشي: "ما معنى أن تكون حيادياً في وطن اجتاحه البرابرة، وعاثوا فيه فساداً، فكفّروا، وذبحوا، ونطعوا، ودمّروا، وغزوا، وسبوا، وجعلوا من بعض المدن السورية سوقاً للنخاسة، وأخرى للبغاء، وثالثة لمحاكم ميدانية لا مكان فيها للشرائع السماوية" (صحيفة البناء 24 تشرين ثاني 2018).
في النهاية:
يُروى أن أميراً خرج للصيد، في إحدى الغابات، مع خادم له، فإذا بنَمِرٍ ينقضّ عليهما، فواجهه الأمير بجرأة وشجاعة، فلما تلاشت قوى النمر، طلب الأمير من خادمه، أن يقترب منه، ويُجهز عليه، فأبى. ولما سأله الأمير عن السبب، قال: لمّا رأيت الأسد يصارع النمر، قلت بيني وبين نفسي: واجب الهررة، المحافظة على الحياد!".